اشتقت اليه كثيرا لكنني لم التقيه من يوم تركني ولم يرجع الي احتفظ بصورة قديمة عنه تاتيني في تذكرات كانها حلم من احلام اليقظة
تاخذنياليه دوافع كثيرة جدا واكثرها شعوري بالوحدة والحاجة اليه لغيابه منذ سنين طويلة تجاوزت مدتها سبعة وثلاثون عاما
لم ازل اذكره واذكر قوامه الضخم وذراعيه المفتولتين ولونه الحنطي المائل الى السمرة كلون الغابة الاستوائية
وابتسامته الهادئة المحملة بقصص السنين الطويلة وعيناه الزيتية اللون وكيف كانت تعكس صورة البحر المطله على الجبال الخضراء عند الغروب
كان يحملني على كتفه دائما ويمشي بي
وعلى الشاطئ
كنت العب معه هناك كنا نلهو كثيرا نجلس منتظرين عمي الغواص الى لحظة خروجه من الماء لنرى اسماكه التي اصطادها ببندقيته المائية والعائلة كلها تكون هناك نشوي وناكل وقبيل الغروب تصبح اشعة الشمس هادئة لينه لاننا كنا في الصحراء حيث سندان الشمس ( الامارات العربية المتحدة )
لا تفارقنا صورة الطبيعة هناك حيث تعانق الصحراء المحيط على امتداد خط الشواطئ
وعرائس النخيل النخيل ججاثية بين الرمل والماء والق الشاطئ اللاذوردي والنوارس واصواتها وصخب الامواج وطلاالة الغروب وقرص الشمس الارجواني وهو وانا نلعب على الرمل نبني بيوتا وقلاعا ونركض خلف بعضنا بعضا ويحملني ويرفعني الى فوق
احسن ما كنت اعمله ان اتبع خطاه على الشاطئ الرملي
كانت قدمه كبيرة وخطوته واسعة فاحد اثرها كالحفرة بالنسبة لحجم قدمي كنت صغيرا في السابعة من العمر
فادونس فيها وامش متقفيا الخطا خلف هذه الخطوات المترامية كمتتبع الاثر الى ان اصل اليه وهو يراقبني ويضحك يحملني ويمشي بي
كنت العب مع ماردين البحر وهو لانهما كانا قويين بنظري واحس معهما بالامان وكنت اجده بقوة البحر
كنا انا والنورس الاقل حجما 00000 هذه هي الصورة الباقية
من عنوان التقائي بالبحر 000 هو غادر وبقيت انا والنورس والبحر نسال عنه ولا يعود
سالت امي وجدتي مرارا عنه فقالو انه مسافر في البلاد البعيدة ولكنه قريبا يعود
تركني على الشاطئ وذهب يارب هل يعود وهل فعلت انا ما جعله يغضب فيتركني ويذهب ومتى سيعود ؟
عدنا الى مدينه حمص مسقط راسي عام 1977
وبقيت بعيدا عن البحر اعوام طويلة الى عام 2003 تقريبا
بينما كان نداء البحر الى قويا جدا وذا عمق وتاثير البحر لا ينسى رعاياه ابدا واحبابه واحفاده
لقد احبني هذا الاسطوري كثيرا ولم يطق بعدي عنه
عهد الخبز والملح
( بانياس ) عنما كنت في مدينة حمص العدية وهي معروفة بريحها العليل الذي لا ينقطع ابدا عندما كانت تاتيني هذه الريح من الغرب كان انفي يلتقط رائحة اليود في ذلك الريح البحري فاعرف انه البحر يبثني نداءه ونجواه
فاعب من تلك الرياح واملاء رئتي حتى الثمالة منه
كان البحر يناديني مجددا كي اعود اليه
وتزداد الرغبة عندي بذلك وافكر بلانتقال الى مدينة ساحلية
وحدث ان ذهبت الى بانياس لزيارة عم والدتي وابناءه
وكانت الزيارة لعده ايام وفرصتي لازور البحر
وفيما كنت جالسا على صخرة من صخور الشاطئ العالية في كورنيش بانياس اتامل البحر واسترجع الذكريات
القديمة معه سابحا في بحور التامل انظر الى بريق الشمس على وجه المياه يطفو كانه دنانير الذهب
نظرت الى يميني فوجدت ملحا في اخدود الصخرة متجمعا من تبخر المياه التي يقذفها الموج عاليا غمست فيه اصبعي وتذوقت فعلا انه ملح
وتلفت الى يساري فوجدت رغيف خبز ربما تركه احد الصيادين
فاخذته وكسرت وشكرت وباركت وتناولت
لكنني لم افهم تماما معنى كل هذا الا انه كان عهد الخبز والملح بيني وبين البحر وفاءا للصداقة القديمة
لان البحر هو عمي ودائما اناديه عمي البحر
دارت الايام بعدها على حوادث كثيرة ولو فكر الانسان بما كان عليه وما مر به وما ال اليه لما توقع انه ممكن ان يحدث هذا ا بدا وسافرات الى عدة دول وعدت الى سورية عام 2001 دخلت جمهورية مصر العربية
وقضيت سحابة من الزمن في في القاهرة وكنت مزاولا لعدة اعمال تجارية بنفس الوقت وحدث ان دعاني احد اصدقائي الى تمضية اجازة في شاليه على البحر يمتلكه في الاسكندرية في احدى القرى السياحية
توجهت الى هناك ومنذ ذلك اليوم لم اعد الى اي مكان اخر
عندما وصلت الاسكندرية وكانت اول مرة ادخلها فيها
مدينة الاسكندر المقدوني وكليوبترا السورية
كان اليل قد ارخى سدوله والشاليه كان امام الشاطئ مباشرة يبعد مسافه قصيرة جدا
هدوء الليل وصوت البحر ارتطام الموج ووشة الزبد وش وش وش
ركضت الى البحر ونزلت الماء وبدات اتقلب معه كالغائب العائد الى اسرته بعد غياب السنين الطويلة
اه يا عمي البحر
كم اشتقت اليك يومها جلست على الرمال واجهشني البكاء كنت ابكي واشهق كطفل صغير من شدة وحدتي ما اصعب ان يجد الانسان نفسه وحيدا ذات يوم وكل من حوله قد تركوه وحيدا وذهبو ا ولا يجد يدا تربت على كتفه وشفة تنطق باي كلمة عزاء وقبل كان العالم كله مكتظ من حوله
النورس ليس هنا انه الليل لابد انه في عرض البحر يصطاد ليلا كعادته او انه نائم فوق احدى الصخور
صباحا باكرا جدا في اليوم الثاني
ايقظني صاحبي القديم النورس سمعت زعقته المبحوحة اتية من عند الشاطئ من جهة الصخور
ها هو صاحبي القديم عاد الي فقمت ومشيت الى الشاطئ رويدا بخطا ثقيلة
وانا انظر من نافذة العقل نحو الامس الغبر
هاهو الماضي يعود بجحافله الي اليوم
مرحبا صديقي القديم عمت صباحا عمت صباحا يا عمي البحر كيف الحال
ثم نظرت الى الرمال لا ارى اثار خطوات عريضة ولا صاحبها موجود
لم يعد ايضا ؟ ااتلفت الصحبة القديمة انا والبحر والنورس لكن اين انت ياورد
ما باليد حيلة سوى التذكر والدموع والشوق الداخلي المنقطع الرجاء
عملت في مجال الصيد والغوص لعدة سنوات الى جوار عمي البحر ولا ازال الى اليوم
وصديقي النورس يرافقني دائما
عام 2009 عاد وردا الي
التقيته على الشاطئ
بعد انتظار طويل
اصطحبت في ذلك اليوم ولدي وردا الصغير الى الشاطئ لنلعب ونلهو على الرمال
عمره الان ثلاثة سنوات ونصف
كنا نمرح على الشاطئ عند الغروب حيث تصبح الشمس لينة باشعتها ابتعدت عنه مسافة بخطوات سريعة وقلت له هيا اركض الي بسرعة
لكنه لم يفعل مشى ببطئ شديد واستغربت لذلك وامعنت فيه
رايته يتقفى خطواتي على الرمل كانت عريضة بالنسبة لقدمه الصغيرة والخطوة واسعة كان يتقفاها ويدوس فيها واحدة تلو الاخرى الى ان وصل الي ضحكت بفرح وحضنته حملته وسرت به على الشاطئ
وعادت بي الذاكرة الى الوراء( هذا ما كنا نفعله تماما انا وهو )
احسست بورد لقد ارتكض قلبي انه هنا
التفت الى الشاطئ المكلل بعرس الغروب
فرايته هناك كان معنا لكنه لم يتعدى حدود الشاطئ وما ان انتبه انني رايته ابتسم ابتسامته المعهودة فاعطت لقلبي سلاما ابديا وتراجع رويدا ليرحل مع الغرروب
كان يتاملني ويطمئن على حفيده الصغير الذي لم يراه من قبل
ولست اعرف ان كان سيزورنا مجددا ذات يوم من الايام
اه ابتعدي ايتها الدموع ولا تسدلي غشاوة على عيني اريد ان انظر
وانت ايها البكاء اترك حنجرتي وخذ غصتك بعيدا اريد ان اتكلم
حبيبي
هل تعرف كم عمر جدك اليوم
لا بد ان اكلمك عنه
وتكلم ورد الصغير بصوته الناعم البريئ
اين هو جدي وكم عمره
جدك اليوم ياصغيري يبلغ من العمر خمسة وسبعين عاما
هل هي كثيرة يعني كبير مثلك ( هاهاهاها)رويدك مثلي
كم عمري انا ببا
عمرك يا صغيري ثلاثة اعوام ونصف
العمر كله يا حبيبي الى ان اراك رجلا واطمئن عليك انت واخوتك واحمل ابناءكم
اين هو جدي الان
جدك رجل عظيم اليوم احكي لك عنه واريك صوره اليلة
قضى من حياته اثنان وارعون عاما في العالم والباق في السماء الى اليوم
لماذا لا يزورنا
لايسمح لااهل السماء بزيارة الارضيين
لكنه يتفقدنا بين الحين والاخر
اذا ارني صورته اليوم حتى اذا جاء اعرفه 000 هل سيجلب لي معه الحلوى والسكاكر
نعم حبيبي اكيد
انه يحبك اكثر من كل العالم
هو قال لك
نعم هو قال
منذ ثلاثة وثلاثون عاما تركني جدك على الشاطئ وحيدا وذهب كنت صغيرا جدا
وهل عرفت ان تعود للبيت لوحدك
نعم لقد كنت طفلا ذكيا جدا
يا الهي لقد نسينا الطائرة الورقية انها معنا هنا
تعال نطلقها لتمتطي الرياح قليلا قبل نهاية الغروب
هيا بنا
وانطلقت الطائرة عاليا مع الرياح البحرية السريعة
وكان وردا الصغير يمسك خيطها بشدة خائفا ان تفلت منه وتذهب بعيدا وشعره الطويل تلعب به الريح البحرية ويهز خلف باجمل صورة والامواج تتكسر خلفه على الشاطئ الذهبي
وانا والبحر والنورس نتامله لقد عدنا اربعة من جديد
قبل ان تنهي الشمس مشوار الغروب
بقلم نبيل البحر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق